بين الضغوط الحقوقية والالتزامات التعاقدية.. مايكروسوفت في قلب جدل عالمي
بين الضغوط الحقوقية والالتزامات التعاقدية.. مايكروسوفت في قلب جدل عالمي
في تطور جديد يسلط الضوء على العلاقة الملتبسة بين شركات التكنولوجيا الكبرى والسياسات العسكرية، شهد مقر شركة مايكروسوفت في مدينة ريدموند بولاية واشنطن سلسلة من الاعتصامات والاحتجاجات من جانب موظفين حاليين وسابقين، اعتراضًا على العقود السحابية التي تربط الشركة بالحكومة الإسرائيلية، وقد انتهى بعض هذه التحركات باعتقالات نفذتها الشرطة.
ذكرت صحيفة “الغارديان”، الثلاثاء، أن خمسة موظفين حاليين وسابقين في مايكروسوفت، إضافة إلى شخصين آخرين، اعتُقلوا بعد تنظيم اعتصام داخل مقر الشركة أمام مكتب رئيسها التنفيذي، براد سميث.
ووفقًا للصحيفة، جاء ذلك في سياق سلسلة من الاحتجاجات التي ينظمها العاملون منذ أشهر اعتراضًا على تعاون الشركة مع مؤسسات عسكرية إسرائيلية.
وبحسب ما نقلت الصحيفة عن عبدو محمد، الموظف السابق في مايكروسوفت وأحد منظمي الاعتصام، فإن الشرطة تعاملت مع المتظاهرين باستخدام أحزمة أمان كاملة، ثم حملتهم خارج المبنى.
وأضاف محمد: "لا اعتقالات ولا عنف سيمنعنا من مواصلة التعبير عن آرائنا"، في إشارة إلى استمرار الحراك رغم التدخل الأمني.
تفاصيل الإغلاق
أما موقع "ذا فيرج" فقد أوضح أن مايكروسوفت اضطرت إلى إغلاق مبنى رقم 34 في مقرها الرئيسي، بعد أن دخل المحتجون إلى مكتب الرئيس براد سميث، وأشار الموقع إلى أن الاعتصام بُث مباشرة عبر منصة Twitch، حيث ظهر المحتجون وهم يرفعون لافتات ويهتفون بشعارات مثل: "براد سميث، لا تستطيع الاختباء، أنت تدعم الإبادة الجماعية".
وأكد الموقع أن هذه الخطوة دفعت إدارة الشركة إلى اتخاذ إجراءات أمنية صارمة، شملت إغلاق المبنى بشكل كامل لحين انتهاء الاعتصام، كما لفت إلى أن الاعتصامات تندرج في إطار سلسلة من التحركات التي يقودها موظفون حاليون وسابقون ضد العقود السحابية مع الحكومة الإسرائيلية.
كما كشفت "الغارديان" أن الاحتجاجات جاءت بعد تحقيق مشترك أجرته مع مجلة +972 الفلسطينية الإسرائيلية وموقع لوكال كول الناطق بالعبرية، وأوضح التحقيق أن وحدة المراقبة العسكرية الإسرائيلية المعروفة بـ"الوحدة 8200" كانت تستخدم خدمات مايكروسوفت أزور لتخزين عدد ضخم من تسجيلات مكالمات الهواتف المحمولة التي يجريها فلسطينيون يعيشون في الضفة الغربية وغزة.
وأكدت مايكروسوفت للصحيفة أنها لم تكن على علم باستخدام خدماتها في هذا النوع من المراقبة، وقالت الشركة إنها ستطلق تحقيقًا مستقلاً بشأن ما ورد، لكنها شددت على أنها لم تكن تعلم بجمع أو مراقبة المدنيين عبر منصاتها.
تصريحات المتظاهرين
أفادت "الغارديان" أن من بين المتحدثين في الاعتصام ابتهال أبو سعد، التي ألقت كلمة أمام مقر الشركة، وجهت فيها اتهامات مباشرة لإدارة مايكروسوفت، قالت: "أنتم تواصلون محاولة دفن رؤوسكم في الرمال، ولذلك نحن هنا اليوم خارج عروشكم الملطخة بالدماء، لنواصل انتشال قتلة الأطفال من جحورهم، ونواصل إجباركم على مواجهة تواطئكم، حتى تتوقفوا عن إمداد شعبنا بالقوة اللازمة لقتله".
وفي المقابل، أوضحت وكالة "أسوشيتد برس" أن مايكروسوفت أعلنت عن فتح تحقيق قانوني خارجي فيما ورد من معلومات بشأن استخدام خدماتها في المراقبة العسكرية.
وأضافت الوكالة أن الشركة شددت على التزامها بمعايير حقوق الإنسان في عقودها التقنية، لكنها لم تصدر تعليقًا مباشرًا بشأن تفاصيل الاعتصام الذي وقع في مكتب الرئيس.
وأشارت الوكالة إلى أن مطالب المحتجين تضمنت إنهاء العقود مع الجيش الإسرائيلي، ودفع تعويضات للفلسطينيين المتضررين من استخدام خدمات الشركة في أعمال المراقبة، كما أبرزت أن هذه الاحتجاجات تأتي في سياق حملة واسعة تستهدف شركات التكنولوجيا العالمية المتعاقدة مع مؤسسات عسكرية أو حكومية في مناطق النزاع.
إجراءات داخلية وتأديبية
أما صحيفة "وول ستريت جورنال" فقد نقلت عن مصادرها أن إدارة مايكروسوفت تدرس اتخاذ إجراءات تأديبية بحق الموظفين الذين شاركوا في الاعتصام، واعتبرت الصحيفة أن مثل هذه التحركات غير معتادة في شركة بحجم مايكروسوفت، خصوصًا أنها أدت إلى إغلاق مبنى بالكامل وتعطيل العمل.
وأضافت الصحيفة أن الشركة بصدد مراجعة بروتوكولات الأمن والسلوك داخل مقارها، وذلك على خلفية الاعتصام الذي أثار جدلاً واسعًا داخل أروقة الإدارة، وأوضحت أن المسؤولين التنفيذيين يسعون لاحتواء الموقف ومنع تكراره، خاصة مع تزايد موجات الاحتجاج التي شهدتها الشركة في الفترة الأخيرة.
وذكرت "أسوشيتد برس" أن الاعتصام الأخير لم يكن الأول من نوعه، حيث سبق أن اعتُقل عشرون ناشطًا في مقر مايكروسوفت الأسبوع الماضي في سياق احتجاجات مشابهة، وأشارت الوكالة إلى أن الحملة التي يقودها الموظفون تهدف إلى الضغط على الإدارة من أجل مراجعة عقودها مع الجيش الإسرائيلي بشكل كامل.
كما أوضح موقع "ذا فيرج" أن الاعتصامات الأخيرة ليست سوى جزء من سلسلة تحركات أوسع، تشمل وقفات احتجاجية وتنظيم فعاليات تضامنية خارج مقار الشركة، وأكد الموقع أن هذه التحركات تستند إلى معلومات التحقيق الصحفي الذي أثار صدى واسعًا حول دور تقنيات مايكروسوفت في المراقبة العسكرية.
ضغوط حقوقية والتزامات تعاقدية
بحسب ما نقلته "أسوشيتد برس"، فإن مايكروسوفت أكدت في تصريحاتها التزامها التام بالمعايير القانونية والأخلاقية عند التعامل مع الحكومات، ومع ذلك، فإن الشركة لم تقدّم حتى الآن توضيحًا كاملاً حول مستقبل عقودها مع الجانب الإسرائيلي، مكتفية بالإشارة إلى أن التحقيق المستقل سيحدد مسار الخطوات التالية.
أما "وول ستريت جورنال" فقد لفتت إلى أن الإدارة تواجه معضلة صعبة بين الاستجابة لمطالب الموظفين والناشطين، وبين الحفاظ على التزاماتها التعاقدية مع المؤسسات الحكومية والعسكرية.
واعتبرت الصحيفة أن مايكروسوفت تجد نفسها اليوم في قلب نقاش محتدم حول حدود مسؤولية شركات التكنولوجيا في النزاعات المسلحة.
تبدو قضية مايكروسوفت أبعد من مجرد اعتصام أو خلاف داخلي، فهي تكشف عن صراع أعمق يتجاوز حدود الشركة ليطرح تساؤلات حول الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في النزاعات، وحول التوازن بين الالتزامات التجارية والمسؤوليات الحقوقية، وبينما تواصل الشركة إجراءاتها الداخلية، يواصل المحتجون تحركاتهم في محاولة لفرض تغيير جذري على سياسات واحدة من كبرى شركات التكنولوجيا في العالم.